آخر الإدراجات

السميائيات وإرهاب الصورة

السميائيات وإرهاب الصورة

الإرهاب والأنترنيت ونظريات المؤامرة

إن معالجة لوتمان لقضية نصّية الثقافة تبين كيف أن حياتنا مليئة بالنصوص والأبنية النصية، ومنها – على سبيل المثال– الأنترنيت، الذي يمكن اعتباره نموذجًا للثقافة التي تنقل أبنيتها بدقة وبتنظيم محكم. وبذا يمكن اعتبار الأنترنيت نصّا واصفا ذا ثقافة كونية، كما يعدّ واحدا من الصور الدينامية التي ترسمها الثقافة عن نفسها. إن مصطلح النص المترابط أو المتشعّب نفسه، والذي يشير إلى أيّ نص رقمي، يعكس مرونة أكبر واتصالا أوثق من ذلك الذي يعكسه النص التقليدي. وتفاعل المستخدم النشط مع النص الرقمي يجعله بناء ديناميّا، ويوحي ببناء معقد ذي أبعاد متعددة وهو في الوقت نفسه أكثر مرونة وفاعلية تواصلية من النص التقليدي. والتفاعل المذكور يبين أن النص الرقمي نص دينامي وأنه البنية المركزية للأنترنيت، وبالطريقة نفسها فإن نصّية التفاعل الاجتماعي والتي قد تكون ضمنية أو غير واضحة المعالم في «الحياة الحقيقية» في الأنترنيت تصبح أكثر وضوحًا، ومؤكدة بوجه خاص، في بعض الأحيان. وهي ظاهرة تتجلى في شبكات التواصل الاجتماعي بصفة خاصة؛ حيث تتيح تلك الشبكات الاجتماعية أشكالا مختلفة من التواصل وتقديم الذات، كما تقدم بعض الخصائص التي لا توجد في الحياة الحقيقية.[1] وبوجه عام فإن الشعبية الكبيرة للفايس بوك، على سبيل المثال، يمكن تبريرها بأن البناء الذي يقدمه هذا الموقع للتواصل الاجتماعي أكثر تنظيمًا من بنية التواصل في الحياة الحقيقية، وهو ما يسهل التواصل واستقبال ردود الأفعال، ويسهل على المرء ممارسة حياته الاجتماعية بوجه عام.

إن الأشكال التواصلية التي تفرضها الشبكات الاجتماعية قد تكون مقيدة جدًا فيما يتعلق بالإمكانات المتاحة للمستخدم. وعلى الرغم من ذلك فإن للشبكات الاجتماعية خاصية مهمة، وهي أنها تتيح للمستخدم دائمًا تعديل شخصيته، بل أيضًا خلق شخصيات عدة تختلف كل منها عن الأخرى.[2]

لهذا سأكتفي في هذه الدراسة، بتقديم تأمّل بسيط حول بعض الأنساق الثقافية البصرية، وتحديدا ما يتعلق منها بالصورة المرئية (الصورة الكاريكاتورية الساخرة) بوصفها إجراء معرفيا بات أكثر من أيّ وقت مضى مدخلا أساسيا لتحليل وتأويل مختلف أشكال التعبيرات الثقافية في عالمنا المعاصر. بعد ذلك سأحاول أن أبيّن كيف نجح إعلام الجماعات الإرهابية عبر توظيفه للصورة المرئية بشتى أنواعها والترويج لها في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي في تحريض وإقناع الأفراد، خاصة من هُم في سنّ الشباب، بتبنّي رؤيتها للعالمَ، والالتزام بنشرها، والانخراط لنصرتها سياسيا واجتماعيا وثقافيا، والدفاع باستماتة كبيرة من أجل قراراتها، حتى وإن كانت تتعارض مع قوانين الدولة عبر القول والفعل العنيفين. ثم كيف أصبحت الصورة سلطة وأداة في يد مستعمليها لتشويه وتزييف حقائق الواقع ومن ثم تحوّلها إلى إيديولوجيا تحمل في جوهرها قدرة هائلة على التضليل والهيمنة لإضفاء الشرعية على سلوك ما أو ممارسة معينة؟  

– ما مثالب وسلبيات شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الدعاية الإرهابية عبر الصورة؟ وما دورها في إثارة الفتنة وصناعة الأتباع، استعدادا لتمديد النفوذ والتحكّم وقلب المعادلات؟

إن أهمية التركيز على هذه الدعامة – ما يعود إلى الصورة المرئية خصوصا- يبدو، في اعتقادنا، أمرا جوهريا لما لها من خصوصيات: 

– إيجابية، تسهم فيه الصورة في إظهار ثقافات العالم وجعلها مُدرَكة حتى في اختلافاتها وتبايناتها.

– سلبية، لأن الصورة في كثير من الأحيان تسهم في الوقت الحاضر في تقديم هذه الثقافات في أشكال مُقنَّعة ومشوَّهة، ويعدّ هذا ضربة لطمس معالم الثقافات والحضارات والأديان ومواجهة بعضها بالآخر.

ونظرا لما للصورة من أدوار وظيفية في كشف خلفيات التواصل ومرجعياته التداولية والثقافية، ونظرا لما لها من تأثير فعّال في بناء وتوجيه قرارات كبرى استفادت من خصائصها الفريدة تنظيمات إرهابية، و نظرا لما تُضمره من معاني وقِيَم دالّة على التحريض والتضليل وممارسة الهيمنة باعتبارها مدار صراع إيديولوجي وتفريغ للعنف وتنازع على المقدّس، ولمَّا كان تحليل خطاب الصورة يحتاج إلى آليات سميائية دقيقة تستوجب التعويل على المكتسبات المعرفية والمنهجية المستحدثة من العلوم اللسانية في مظانّها والعلوم الإنسانية في مجاورتها، فإن دراستنا سوف تنصرف نحو استقصاء مكامن إرهاب الصورة في مواقع التواصل الاجتماعي انطلاقا من المحاور الآتية:

  1. التشكيل البصري للحدث الإعلامي
  2. سميائيات الصورة في الدعاية الإرهابية: الرسالة والقناة
  3. شبكات التواصل الاجتماعي ومأْسَسَة الإرهاب: أنا أتواصل إذن، أنا موجود
  4. السميائيات الثقافية ونظريات المؤامرة
  1. التشكيل البصري للحدث الإعلامي

     لئن كان موضوع الصورة شكّل مجالا لأبحاث أكاديمية ودراسات إعلامية تم تناوله وفق منظورات متعددة، فإنه لم يعُد من الممكن اليوم، إذاً، فهم الصورة كما تبثها  مختلف الوسائط الإعلامية على أنّها مجرّد نقل للواقع أو محاكاة له، بل إنها تتجاوز ذلك نحو تشييد جديد له. فالتشكيل الناجح للخبر في وسائل الإعلام، هو الذي يملك القدرة على تحويل الخبر الإعلامي إلى تمثيل بصري؛ وهو ما يطلق عليه السميائي أمبرتو إيكو بالتسنين الأيقوني، الذي يعني القدرة على تحويل دال لفظي إلى دال بصري. وبعبارة أخرى، فإن المسألة تتحدد في إعطاء المضمون المدرك أصلا من خلال الحقل اللساني مُعادلا بصريا أو صوريا.[3] ويراعى في هذا التحوّل كل قيم التفاعل بين الإنسان والثقافة والمجتمع المعني والمرتبط بالخبر، مع استدعاء مختلف العناصر المنتجة للمعنى التي من شأنها أن تخترق الأبنية الفكرية والاجتماعية والنفسية للمتلقي، ويكيّف الرسالة المراد تبليغها مع الظروف المقامية المحيطة به. وهكذا، فإنّ للصورة داخل المضامين الإعلامية وضعا اعتباريا خاصا، إذ يمكن النظر إليها باعتبارها سيرورة رمزية وثقافية لأحداث العالم، تعمل بنيتها ووظيفتها على خلق أنماط وتمثّلات ذهنية وترسيخ انطباعات وعادات تنسجم مع المقتضيات والشروط المعرفية والسياقية التي يستهلكها ويتبنّاها المتلقي. «إذ لا وجود لشيء اسمه التمثيل المحايد للواقع، ذلك أنّ الأحداث والعمليات والأشياء والناس تُقدّم لنا دائماً عبر وسيط التمثيل…، سواء تمّ ذلك في الصورة أم في اللغة أم في أيّ وسيط آخر … إنّه دائماً وأبداً عملية بناء. فللوسيط بنيته الخاصّة المشبعة بالقيم السائرة، بحيث يخضع التمثيل لعملية تصفية عبر شبكة من الدلالات. ولا ريب في أنّ الدلالة ليست طبيعية، بل إنّها وظيفةُ بنية اجتماعية واقتصادية ومؤسّسية.»[4] وانطلاقاً من إقراره بأنّ وسائل الإعلام لا تنسخ الواقع بقدر ما تمنحنا تمثّلاً عنه يعيد بناء الأحداث، يرى إليزيو فيرون أنّ مهارة الإعلامي تتبدّى في إنتاجه «تقطيعا للجانب الرمزي للحدث في جانبه الواقعي (..) بهدف بناء تمثّلات رمزية عن الحدث موجّهة لتكون موضوع اتصال وبثّ في الفضاء العمومي.»[5] ولمّا كان للصورة معجما مشفّرا ومسنَّنَا يسِمُها بخصائص متحيزة وغير منفصلة عن التجربة الإنسانية فإن الاستعمال الإعلامي لها يستدعيها لِيودِعَها قيمَ الدلالة والتواصل والتمثيل. بذلك تُشيّد الصورة نفسها بوصفها لغة مرئية متّسقة ومتماسكة وذلك من خلال إحالاتها وتسنينها الثقافي والرمزي. وتنخرط وسائل الإعلام في عملية البناء الدلالي والاجتماعي للواقع متوسّلة بالطاقة التعبيرية والتأثيرية للصورة، وموظِّفة عناصر المعرفة والحسّ الجماعي المشترك. وفي هذا السياق، يعتقد برنارد لاميزيت أنّ وسائل الإعلام تقوم بإظهار الأحداث داخل محيط لغوي، وتمنحها، بالتالي، معنى. فهي تصوّر الأحداث عبر إعطاء نظام دلالي لعملية سيرها، ولفاعليها ورهاناتها وملابساتها[6]. وفي هذا الإطار، يشير بول فاتزلافيك إلى أنّ مهمّة وسائل الإعلام هي إنتاج واقع الواقع؛ أي الخروج من إطار الحقائق الفردية إلى مستوى الحقيقة الجماعية، التي تخلقها المعالجة الإعلامية للأحداث. وضمن هذا التوجّه، تتأسّس المقاربة المعرفية لشبكات التواصل الاجتماعي، باعتبارها وسائل للبناء الاجتماعي للواقع، تعيد تشكيل أحداث العالم، وتحوّلها إلى معلومات تحتكم في بنيتها وتصوّراتها إلى ذهنية جماعية.[7] وهو ما يعني سهولة امتلاك مرتادي هذه الشبكات خطاطة للكون أو خارطة طريق من شأنها إظهار بنية العلاقات التي تربط بين العديد من الأفراد والمجموعات بالمحيط المصاغ سميائيا، والتي تلعب فيه اللغة والصورة وكل الأشكال الرمزية دورا محوريا في صياغة وتنميط هذا الكون. ورغم أن التدفق الفعال لمضامين شبكات التواصل الاجتماعي، فضلا عن تحوّلها الجذري والدائم، يجعل من الصعب إن لم يكن مستحيلا، القيام بدراسة ثقافية وإثنوغرافية للدلالة كما تتداولها هذه المسالك الرقمية، فإن للسميائيات ميزة مقارنة مع غيرها من التخصصات المعرفية تؤهلها لدراسات هذه الأنساق التواصلية باعتبارها نصوصا، أي في نوعية مشاريعها الدلالية الذي يُتَوَقَّع أن تكون لها تأثيرات إقناعية على» المتلقي« الذي قام ببنائها.

  • سميائيات الصورة في الدعاية الإرهابية: الرسالة والقناة

سأحاول في هذا المحور إظهار المردودية التحليلية للسميائيات وللطريقة التي تنتج بها العديد من الأنساق أو الأنظمة البصرية معانيها، إدراكا منّا أن السميائيات التطبيقية على حد قول أمبرتو إيكو منطقة ذات حدود غير دقيقة، لهذا فضلنا أن نتحدث عن ممارسة تأويلية

ووصفية وهو ما جعلنا نُبعد مسألة العلمية في بعدها المنهجي الصارم، وكان الأساس هو التحدث عن مسألة الإقناع والفائدة في فهم النص البصري انطلاقا من ثقافة المؤول، والقدرة كذلك على جعل الخطاب حول نصّ ما قابلا للتحكم فيه بصفة مشتركة[8]. لذا سأكتفي بتقديم تأمّل بسيط حول بعض الصور الكاريكاتورية الساخرة،كما بثتها العديد من القنوات الإعلامية الغربية وكيف شاع انتشارها داخل مواقع التواصل الاجتماعي فايس بوك وتويتر؛ يتعلق الأمر بالصور الكاريكاتورية الساخرة التي أدرجها رسامو صحيفة (شارلي إيبدو) الفرنسية رولان لوزيي وستيفان شاربونييه وقامت هيئة تحريرها بوضعها على واجهة الصحيفة باسم حرية التعبير. لقد أصدرت المجلة أكثر من ألف عدد منها خمسة أعداد تناولت الإسلام بالسخرية، (الأولى) عام 2006 بالتزامن مع نشر صحيفة يولاندس بوستن الدانماركية صورا مسيئة للرسول، وتم تبرئتها عام 2007 من تهمة الإساءة للمسلمين. و(الثانية) عام 2011 بالتزامن مع فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس برسم على غلاف المجلة بعنوان: «الشريعة إيبدو» «ستجلد 100 جلدة إن لم تمت من الضحك»

ووقتها أشيع أن المجلة تعرضت لحريق لمزيد من التعاطف معها ومساندتها من القراء الذين عزفوا عن قراءتها إلا في حالات توظيفها ضد الإسلام. والثالثة كانت عام 2012، والرابعة عندما خصصت عددا في يناير وفبراير 2013 بعنوان: «حياة محمد الجزء الأول، بدايات رسول»، حمل في طياته تعليقات مسيئة لنبي الإسلام، ومعلومات مشوهة عن السيرة النبوية العطرة. والخامسة في عدد أكتوبر 2014 الذي نشرت فيه «شارلى إيبدو» رسوما جديدة، بغرض الإساءة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، من خلال رسم كاريكاتوري أفردت له صورة واجهتها تُظهر أحد أنصار تنظيم إرهابي يذبح من تعتبره المجلة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، تحت عنوان: «إذا عاد محمد…»

وسوف يرتكز تأويلنا لمختلف هذه العلامات (الصور الكاريكاتورية) على المعرفة السميوثقافية (سميائيات الكون الثقافي)؛ لأنّ فهم أيّ علامة نصية ما سواء في تنظيمها الداخلي أوفي تطورها واستعمالها، لا يمكن أن يتم بمعزل عن السياق التاريخي والثقافي. إن هذه العلامات، بالمقابل، في مداها الأوسع تبقى ناقلة لمعلومات ومعارف التي لا تمكّننا فقط من الولوج إلى ثقافة ما أو حقبة زمنية ما، ولكنها تشكل صورة مصغرة أو أثرا دالاّ على كون ثقافي بمعارفه وقيمه وقصصه وحيواته والجماعات الفاعلة فيه. يرى جون بودريار أن الأشياء التي يتضمنها خطاب الصورة «تفرّ وتنزاح باستمرار عن  بنيتها النسقية نحو الدلالات الثانوية، أي تنفلت عن النسق التقني إلى النسق الثقافي».[9] وتمثل الصور البصرية اليوم موضوعا مغريا بالدراسة والتحليل؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بالتحليل السميائي؛ فهي تشكل منتوجا ثقافيا ذا أهمية بالغة، من خلال مساهمتها في النشر والتبادل والتداول الاجتماعي للمعنى، مما يجعل منها صورة يصعب اختزالها في معنى دقيق ومحدّد. ذلك أنه إذا كان هدف تحليل الصورة الكاريكاتورية هو التعرّف على خطابها الضمني والرمزي من جهة، وبصورة أدق نوعية المتلقي/ المستهدف من جهة أخرى، فإنه يجب أيضا لهذا التحليل أن يتمفصل ويتقاطع مع دراسة المعايير والتمثّلات والمعتقدات والصور النمطية التي يبثها الخطاب الاجتماعي. ويعدّ هذا البعد الثقافي للخطاب الكاريكاتوري أساسيا، لأنه يتيح فهما أفضل للقيم الاجتماعية التي تُبَنْيِن المخيال الجمعي لأمة أو شعب ما. وللاقتراب أكثر من عمق هذه الصور وتحديدا في بعدها التداولي سوف أستعين بالخطاطات التواصلية التي تتخذها المؤسسة الإعلامية معيارا لبناء نماذجها التواصلية؛ وسنجعل من خطاطة هارولد لاسويل[10] منطلقا أساسيا لهدفنا وهي خطاطة تنبني على أسئلة من قبيل:

* من يرسل؟ وتتحدد في الشخص المرسل.

* ماذا يرسل؟ ويقصد بها موضوع الرسالة .

* إلى من؟ الطرف الذي تتوجه إليه الرسالة، وتحديد المتغيرات العمرية (السن) والجنسية (الذكورة والأنوثة) والوضعية الاجتماعية (الوضع الطبقي) والدينية (متدين غير متدين) .

*بأي وسيلة؟ قناة التواصل؛ أي الآليات التي يعتمدها المرسل لإيصال رسالته إلى المتلقي.

* بأيّ تأثير؟ معرفة الأثر الذي ستتركه الرسالة في نفسية المتلقي.

إن هذه الخطاطة مبنية وفق أسئلة تجعل منها المؤسسة الإعلامية حوافز نفسية واجتماعية للتحكم في التواصل مع الآخر، يمكن اختزالها في السؤالين التاليين: ما الذي يريده هذا الإعلام؟ وأيّ مدى سوف يبلغه في عالم جعل من العنف صناعة ومن الكراهية سلوكا ثقافيا يتحكم في الواقع وفي المصير؟

  يفترض كل تمثيل أيقوني مجموعة من الوظائف؛ وسنقتصر فقط على استدعاء الوظيفة التواصلية والتعبيرية والتأثيرية. فعندما يتم إنتاج الصورة من لدُن رسّام ما للتأثير على المتلقي أو المشاهد، فإنه يعمد إلى إرسال رسالة واضحة تكون فيها الصورة وسيطا، أي دعامة بصرية ذات حمولة مرجعية وثقافية ورمزية بليغة تستهدف جمهورا محددا. وعادة ما نعاين هذه الوظائف في العديد من الصور، لكننا هنا سنركز على الصور الساخرة؛ ذلك أن اللغة البصرية الموِّلدة لمجمل الدلالات داخل هذه الصور هي لغة بالغة التركيب والتنوع وتستند من أجل بناء نصوصها إلى مكونين اثنين:

  • ما يعود إلى العلامة الأيقونية.
  • ما يعود إلى العلامة اللسانية.

فالصورة الأولى تظهر على المستوى الأيقوني رجلا ملتحيا وقد رمز به الرسام إلى شخصية الرسول(ص) يرتدي لباسا أبيض وراء خلفية خضراء ولا تخلو هذه الصورة من البعد التهكّمي، انطلاقاً من  الانزياحات الشكلية للجسد وملامح الوجه وإيماءاته، وهيئة الملبس، وهي انزياحات تسعى إلى إبراز بعض الخواص الخِلقية في صورة الشخصية المراد نقلها بشكل لافت ومعبّر عن جاذبية التشويه الشكلي. وتشير هذه الشخصية بأصبعها إلى محتوى لساني وقد تجسّد في عبارة «ستجلد 100 جلدة إن لم تمت من الضحك» ولعلّ هذا الملفوظ اللساني حسب السميائيات الأيقونية جاء مكمّلا للصورة التي تُظهر الرسول ضاحكا بنوع من السخرية وقد عدّ السميائي الفرنسي رولان بارث هذا من بلاغة الصورة، لتعويض محدودية الدلالة الأيقونية للدلالة على أن الإسلام يدعو إلى السخرية ويتوافق معها. ولقد عيّن رسام الكاريكاتور النبي محمدا (ص) رئيس تحرير للأسبوعية الساخرة، فتحولت من شارلي إيبدو إلى الشريعة إيبدو وقد كتبت هذه العلامة اللسانية بخط عريض أبيض وسط مستطيل أحمر للدلالة على المنع (امنعوا الشريعة) ويمكننا أن نفهم هذا المحتوى إذا ما علمنا أن هذا الرسم الساخر جاء في سياق سمياء كون فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس وإعلان المجلس الوطني الليبي الشريعة الإسلامية دستورا للبلاد. لذلك فهو يحذر وينبه ويوجه رسالته أيقونيا وتشكيليا ولسانيا، وهي في الأصل رسالة سياسية، لأنه ثمة من لا يعترف بمدى خطورتها في بناء الوعي السياسي لدى الأفراد والجماعات.

أما الصورة الثانية التي ظهرت على غلاف المجلة بعنوان كتب بخط عريض: «إذا عاد محمد.. » فهي صورة يعمد فيها الرسام إلى الدفع بالمتلقي نحو استكشاف الموضوع المستهدف عبر مختلف الدوال اللسانية التي جاءت على شكل حوار بين من تدعيه المجلة بالرسول وبين رجل ملثّم، في إشارة إلى مسلحي التنظيمات الإرهابية. حيث يضع المسلح سكينًا على رقبة رهينة يجثو على ركبتيه، في وضعية تدل أنه على وشك أن يذبحه، بينما يقول الضحية: «أنا النبي أيها الغبي»، فيردّ الآخر: «إخرس أيها خائن». ولعلّ سمياء كون هذه الصورة جاء في سياق احتفال المسلمين في كل بقاع الأرض بعيد الأضحى بما لهذا العيد من قدسية ورمزية في نفوس المسلمين، وهذا ينزاح بالصورة من دالّ القتل إلى مدلول النّحر (النّحر باسم الإسلام). ويلاحظ في هذا السياق كذلك أن الزمن الذي مارست فيه هذه الصحيفة نشاطها الإعلامي غالبا ما يتم اختياره وفقا لمعايير رمزية تتوافق مع أجندات دينية وتواريخ مشبعة بالرموز الدينية الإستراتيجية،[11] تهدف إلى إضعاف الخصم وتدميره على نحو رمزي. وعلى المستوى اللساني، إن جملة إذا عاد محمد… جملة شرطية تضعنا أمام مفارقة تأويلية متعددة للصورة، ولا بد لهذا الشرط من جواب؛ هذا الجواب هو ما تكشف عنه الرسالة الأيقونية وهو ما يجعلنا أمام تأويلين على الأقل:

  • تأويل أول، يُظهر أن عودة محمد هي عودة للقتل باسم الإسلام.
  • تأويل ثان، يُظهر أن دين الرسول قد قُتل ونُحر من قِبل ملثَّمين ومقنَّعين.

وكيفما كانت طبيعة التأويلين، فإن الرسالة التي يريد الرّسام إيصالها للمتلقي تُظهر أن الإسلام هو دين القتل ودين الإرهاب، وهو بذلك يحاول إيصال خطاب وإيديولوجية سياسية عنصرية. لذلك نقول مع رولان بارث: «إن الصور ليست هي الأشياء التي تمثّلها، وإنما يتمّ استعمالها فيستوجب الأمر تحليلها لفضح معانيها، وذلك بالكشف عن مدلولاتها لتقول شيئا آخر»[12]، هذا إذا ما علمنا حسب قاموس هاشيت أن هذه الصورة فيها مبالغة من الخطوط المختارة التي تعطي للشخصية تمثيلا منحرفا وهو تمثيل متعمد مشوِّه للحقيقة لغرض النقد والهجاء[13].

وتحاول هذه الصور تجاوز المقدس بتحويل سيرة النبي إلى مادة خصبة للسخرية والاستهزاء، الأمر الذي كلّف العالم الكثير من أمنه واستقراره وسلامته النفسية والجسدية، تسببت في كارثة شارلي إيبدو الذي ذهب ضحيتها الكثير ما بين قتيل وجريح.

وفي مواجهة أيّ انتقاد يوجّه إليه يستطيع الرّسام الساخر الادعاء دائما بأن الأمر يتعلق بمشهد ساخر ليس إلاّ وبأن حرية تعبير الفنانين والإعلاميين، لا يمكنها بأيّ حال من الأحوال أن تكون محدودة.

   إن الثقافات الغربية توافق على إعطاء قدر أكبر من الحرية للفنانين والإعلاميين، ويعد هذا فتحا مبينا لتطورها الديمقراطي. لكن ماذا يحدث إذا تمت مساندة جريدة ساخرة من قِبل الآلاف الذين يرتادون الأنترنيت، بل الملايين من المعجبين؟ وماذا يحدث إذا لم يكن تعريضها وتهكّمها موجّها ضد زعيم سياسي أو ضد حكومة، ولكن ضدّ ديانة ما وضد أحد رموزها؟ ماذا لو كان هذا التهكّم سببا في جعل الملايين من الأتباع يحرجون جماعة دينية ويجعلونها أضحوكة أو حتى النظر إليها بوصفها عدوا ينبغي طرده بعنف من المجتمع؟ إن المدافعين عن حرية السخرية مهما كلّفهم الأمر ينسون بأن هناك اختلافا جوهريا بين الرسّام الساخر الذي يحاول وحده إحراج السلطة باجتذاب الناس إليه وتعاطفهم معه بسبب الشجاعة والمراوغة اللتين يظهرهما أثناء تحدّيه للرقابة، والرسّام الساخر، الذي أصبح زعيما للرأي، عبر تهكّمه، على خلق واضطهاد جماعة دينية ما عبر تشويه رمز من رموزها. إن هذا بالضبط هو التوجه الثقافي الذي نلمسه والذي يعرب عن نفسه في أسبوعية شارلي: إن اعتماد التهكّم كتقنية بلاغية غامضة، إنما هو تجسيد لخطاب سياسي يرتهن الكراهية -دون تفكير في عواقبها- انطلاقا من الصورة الساخرة كآلية ديماغوجية مُعدية. إن السخرية من الرسول بدون قيود، رسول يتم الكشف عن هويته الدينية بالاسم وبالمسؤوليات المنوطة به، يجعلنا نستشعر داخل شارلي إيبدو، مدى المزج السامّ بين التهكّم والسياسة الذي يُروج لملصقات معادية للدّين ولأحد رموزه، وهذا ما يجعلنا أمام إرهاب مضاعف:

  • إرهاب منظَّم لا تسفك فيه الدماء، بل يتم فيه التحريض والترويع والتخويف من الإسلام والمسلمين بطريقة تكون فيها ريشة الرسام أشدّ بأساً وفتكا من بندقية وسكّين الإرهابي،
  • و إرهاب مؤسَّس تُسفك فيه الدماء ويُقتل فيه الأبرياء باسم الإسلام؛ وهما معا وجهان لعملة واحدة.

وخطورة الإرهاب تتبدّى أكثر عندما تحتضنه شبكات التواصل الاجتماعي- عملا بمقولة أنا أتواصل إذن، أنا موجود- فتستغلّه تنظيمات لتضفي عليه طابعا مؤسَّيسياً؛ لأن رهان هذه التنظيمات هو الاهتمام بطبيعة الإنتاج الاجتماعي للمعنى كما يتداول عبر هذه الشبكات باعتبارها أنظمة ثقافية مُنمْذجة ومركبة. وغاية التنظيمات الإرهابية في ذلك، اختراق الشبكات الاجتماعية للمعنى. لأن هذا المعنى هو وليد ممارسات أو هو حصيلة عمل اجتماعي. ويعدّ هذا عاملا حاسما في ميلاد إيديولوجيا تكثّف داخلها كل الأشكال العامة للسلوك الإنساني القابل للتحقق. بمعنى آخر، فلا قيمة للسلوك إلاّ في إدراجه ضمن خانات مركبة تفترض وجود علاقات أو تعاقدات تتخذ شكل استثمارات في كتل من المواد القابلة للإدراك والمعاينة، والتي تعطي لهذا السلوك وغيره تحققاته الممكنة داخل سياق محدد، وهو ما يضعنا مباشرة أمام الإرغامات الخطابية أو القواعد المحدِّدة للشروط التي يتم بموجبها إنتاج وتداول خطاب ما واستهلاكه داخل هذا العالم الافتراضي. [14]وهو ما يعني كذلك، امتلاك هذه التنظيمات داخل نسق ثقافي محدد خطاطة للكون أو خارطة طريق من شأنها إظهار بنية العلاقات التي تربط هذه المجموعات داخل العالم الافتراضي، بالمحيط المصاغ سميائيا، والتي تلعب فيه اللغة والصورة دورا محوريا في صياغة وتنميط هذا الكون على مَقاسِهِم.

  • شبكات التواصل الاجتماعي ومأْسَسَة الإرهاب: أنا أتواصل إذن، أنا موجود.

كثيرا ما يحضر الخطاب الإرهابي المتطرف في الإعلام باعتباره عنصرا أساسيا في المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي وحتى العسكري المعاصر. ولكن ما هو الخطاب الإرهابي؟ كيف نميز خطابا إرهابيا متطرفا؟ من أين يستمد هذا الخطاب قوته التواصلية التي صار بفضلها خطابا متداولا بصورة كونية خاصة في الأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي؟

يشكل الإرهاب، من ناحية ما، النقيض الفعلي للتواصل، فهو لا يبتغي نقل أيّ رسالة إلى ضحاياه بقدر ما يسعى إلى إبادتهم. ومع ذلك فهو من ناحية أخرى، فعل تواصلي ورسالة قوية جدّا بالنسبة لأولئك الذين حضروا وكانوا شهودا على هذه المأساة سواء حضروا هذا الفعل مباشرة أو تلقوه عبر وسائل الإعلام، فينطلي عليهم رعب المشهد أو يفتتنون به. فالأعمال الإرهابية تسعى إلى إحداث ثورة في المواقف الاجتماعية للأفراد،  والجماعات ودفعهم إلى تغيير جذري يطال نمط حياتهم. ويمكن لهذه الأعمال الإرهابية أن تؤصّل لثقافة الخوف والرعب عند البعض، ولكن يمكنها أيضا أن تستقطب إعجاب البعض الآخر. وهنا علينا أن ننتبه إلى الخطر  الذي تمارسه شبكات التواصل الاجتماعي توتير وفايسبوك وانستغرام ويوتوب… في مثل هذه الحروب الشّرسة حيث تلعب هذه الشبكات دورا مستطيرا في هشيم الاقتتال الطائفي والديني. ومثال ذلك ما أشرنا إليه للتّو في الرسوم المسيئة للرسول الكريم، فإن الشبكات الاجتماعية ومعها باقي وسائل الإعلام، سرعان ما وجدت في هذا الحدث سبقا إخباريا فبدأت بثّا مدمّرا ومدبّرا ألهب مشاعر المسلمين في مختلف أرجاء البقاع وأثارت نقمة وعدوانية كبيرة بين المسلمين والمسيحيين، وأثارت موجة من الغضب والضغط النفسي لدى المسلمين في مختلف المعمور. وفي كل هذه الأحداث وغيرها كان للصورة حضورا وظيفيا خطيرا في الترويج السيكولوجي والرمزي للعنف. فهي تشكل منتوجا ثقافيا ذا أهمية بالغة، من خلال مساهمتها في النشر والتبادل والتداول الاجتماعي للمعنى. وكل هذه الوقائع المحزنة التي كانت وراءها الصورة الساخرة، بإمكانها تمثيل نوع من التغذية الرمزية الراجعة إعلاميا للعنف والعدوان والإرهاب الديني. ففي العديد من تجارب حياتنا اليومية، كثيرا ما نسمع أو نلحظ أحداثا محزنة تجري ضد الدّين وضد رموزه ولا تسترعي انتباهنا لكي نفكر فيها على نحو جدي، إنها تمرُّ أمام أعيننا دون أن تحدث أو تخلف أيّ أثرٍ، ولكن تبقى هذه الأحداث هامشية، طالما بقيت في الظل بعيدة عن وسائل الإعلام، ولكنها تصبح ذات خطورة وذات رمزية عندما تتمَأْسسُ إعلاميا. وإنه لمن الواضح تماما أن المتطرفين وحدهم يستفيدون من هذه الأحداث ويشبعونها بالرمزية الدينية، ومن ثم يوظفونها في تشييد بلاغة التحريض وصناعة الأتباع ويضحون بهم على مذابح المقدس الديني للإطاحة بأمن البشر والإنسانية. وإننا لا نشكّك في أن التنظيمات الإرهابية تبتهج دائما لأيّ حدث رمزي من هذا النوع للزّج والتغرير بالعديد من الشباب في معارك مقدسة رمزية ضد العدو الحقيقي أو المفترض[15]. وهذا ما سعت إليه بعد الهجوم الإرهابي على الصحيفة الساخرة «شارلي إيبدو» الذي خلف ضحايا كثر، انقسمت على إثره وسائل الإعلام ومواقع الإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي بين من يقول : أنا شارلي وأنا لست شارلي وأنا شارلي لكنني لست مع الأسلاموفوبيا والإرهاب….ولهذا سيكون من المفيد جدا تحديد بعض الشبكات والنماذج النظرية في تاريخ التأويل المعاصر للعلامات الاجتماعية[16] لكي نلاحظ عن كثب كيف تتشكّل اليوم علامة خطابية مثيرة، – وإذا جاز لنا التعبير يمكننا النظر إليها بمثابة شعار مميِّز أو لوغو- في الإعلام الجديد.[17] فما هي إلا ساعة وعشرون دقيقة بعد الهجوم حتى شاع انتشارها بطريقة مهولة تفوق خمسة ملايين متبنّي للشعار في أقلّ من أربعة وعشرين ساعة حسب مصدر: www.cartodb.com [18] وفي مقابل هذه الرجّة الإعلامية ينظر العديد من مسلمي فرنسا والعالم العربي إلى الهجوم على الصحيفة بطريقة مختلفة تماما عن الفرنسيين الآخرين، إنهم يشعرون بغضب شديد حيال شعار “أنا شارلي”.

ويكفي أن أقدّم نموذجا خلافيا واحدا وهو للأديب العالمي البرازيلي باولو كويلو الذي تساءل بتعجّب واستغراب عن كل هذا الافتعال في  قوله: أستغرب أين هي الملايين التي غرّدت #أنا شارلي. لماذا لم يغرّدوا #أنا معاذ؟[19]

وقد شكّل هذا الخلاف الكلامي، بين الشرق والغرب بين المسلمين والمسيحيين بين المسلمين والمسلمين وبين المسيحيين أنفسهم… الأرضية الخصبة لاستنبات العلامات الأولى “للإرهاب والتطرف”. ولقد استغلت الجماعات الإرهابية هذا التناقض في الخطاب وهذه الازدواجية التي يتعامل بها الإعلام الغربي مع قضايا المسلمين المهاجرين؛ وجعلت هذا التناقض مناسبة لتصريف خطاباتها ورسائلها السياسية التي تلبس لبوس الدّين من أجل السيطرة على العقول الشابة، وكيف تتحول هذه العقول في رمشة عين إلى عقول متطرفة في منازلها وأمام شاشات حواسيبها دون عناء، مستغِلّة بكيفية متحمّسة حداثة هذه الوسائل التقنية، ولكن لكي تحارب تكنولوجيا وإيديولوجيا الحداثة التي ما انفكت، هذه الجماعات المتطرفة، وما فتئت تشكك في منظومة قيمها.

  • السميائيات الثقافية ونظريات المؤامرة

إن نظريات المؤامرة هي ظواهر سميائية بطبيعتها لأنها دائما تدرك عبر وسيط يتشكل من علامات. إن المقاربة السميائية لا يمكنها أن تحسم في وجود مؤامرة أو لا، كما أنها  لا تقيّم مدى كفاية وصلاحية نظرية المؤامرة. وهي لا تبثّ فما إذا كانت نظريات المؤامرة ظاهرة ثقافية نافعة أو ضارة. إن الهدف الأساسي للسميائيات الثقافية ينصب على شرح النماذج القائمة على العلامات التي يبنيها الناس لرسم صورة عن الواقع المعيش. وبالتالي، فإن دراستنا هذه، سوف لن تتناول قيمة صدق نظريات المؤامرة ولا أنطولوجية لغاتها ولكنها تنظر في مستويات أخرى تعتمد المقاربة السميائية.

قليلا هي الدراسات التي ركّزت على التفسير السميائي لنظريات المؤامرة، باستثناء ما أشار إليه أمبرتو إيكو في واحد من أهم أعماله المعنون بـ«التأويل والتأويل والمضاعف» 1990 والذي حاول من خلاله أن يبرز كيف يمكن لآلية التناظر أو المماثلة أن تقودنا إلى قراءة متاهية وذُهانية تفصل النّص عن أصله وكل سياقاته، وترى في التأويل ممارسة حرّة لا محدودة. فالسيرورة التأويلية تتطور بصورة مضاعفة ومفرطة دون استحضار كل ما يتعلّق بالقوانين البانية للخطاب أو تلك التي تحافظ على هويته وانسجامه الداخلي. وقد أطلق إيكو على هذا التصور «السميوزيس الهرمسية.»§ والظاهر أن هذا المفهوم الأخير، يحمل في ذاته طابع المتاهة؛ «فالخاصة الرئيسة للمتاهة الهرمسية هي قدرتها على الانتقال من مدلول إلى آخر، ومن تشابه إلى آخر ومن رابط إلى آخر دون ضابط أو رقيب.»[20] والتأويل وفق هذا المنظور «لا يروم الوصول إلى غاية بعينها، فغايته الوحيدة هي الإحالات ذاتها. فاللذة – كل اللذة – هي أن لا يتوقف النص عن الإحالات وألا ينتهي عند دلالة بعينها. فما دام النص توليفا لأسنن بالغة التنوع والتعدد، فلا وجود لأية ضفة قادرة على استيعاب مخلفات سلسلة التأويلات هاته. فالبحث عن عمق تأويلي يشكل وحده كلية تنتهي إليها كل الدلالات سيظل حلما جميلا من أجله ستستمر مغامرة التأويل، حتى وإن كان الوصول إلى هذه الوحدة أمرا مستحيلا.»[21] ينظر هذا النوع من التأويل إلى النص على أساس أنه كون مفتوح، لأنه يطلق العنان لسلسلة من الإحالات اللامتناهية، إذ ليست هناك بؤرة مركزية يتمحور حولها هذا المعنى، ولكن هناك دائما لعب حرّ للدوال، ومن ثم انتفاء قابليته للتأويل النهائي. داخل هذه الممارسة التأويلية الذُّهانية يبحث المؤول عن مبررات وأسرار وراء كل الأحداث والظواهر  تضفي الشرعية على تأويله.

وفي دراسة أخرى معنونة بـ «الفاشية الخالدة »1995، ركّز أمبرتو إيكو أيضا على نظريات المؤامرة التي ترتبط بالإيديولوجيات اليمينية، كاشفا أن النظرة اليمينية المتطرفة تستند غالبا على فكرة الوسواس بوجود مؤامرة دولية. وعادة ما ينشغل هؤلاء المتطرفون بإحاطة وتطويق القوات المعادية لهم، كما أنهم يقلقون بشدة من جرّاء اكتساح هذه القوى المعادية وامتدادها لتشمل بنياتهم الداخلية الخاصة. ويعدّ الهوس أو هاجس التآمر واحدا من أهمّ التفسيرات الفاشية للعالم.

كما قام أعضاء مدرسة تارتو – موسكو السميائية الثقافية بتوضيح البناء السميائي لنظريات المؤامرة. والأعمال الأكثر تأثيرا في هذا المجال هي أعمال يوري لوتمان.[22]

وتمنحنا نظريات المؤامرة نموذجا نظريا لسميائيات الخوف والعنف والإرهاب. وحسب هذا النموذج فالخوف والإرهاب لا ينتجان فقط عن حدث واقعي مروّع، بل إنهما ينتجان كذلك، انطلاقا من التأويلات التي تعطى لبعض عناصر الحدث بوصفها علامات دالّة على الخوف أو الإرهاب والتحذير. ويؤكد لوتمان أن الخوف لا ينجم دائما عن الخطر ولكنه غالبا ما، يؤدي إليه.[23]  

حقيقة، إن الهدف من الخوف والإرهاب قد تمّ بناؤه اجتماعيا انطلاقا من تسنينات سميائية حاولت الجماعة أن تتبنّاها لتصنّف وتُنمذج نفسها والعالم معها. ممّا يجعل من دينامية الخوف والإرهاب طبيعة سميائية تنتج علاقات بين الأشياء والعلامات الداّلة على الخوف. وإن نظريات المؤامرة تشتغل بمثابة نماذج وأطر لصناعة المعنى، المنحدر من الذاكرة الثقافية. فهي تسمح بالتعبير عن خطورة  بعض الميولات والنزعات أو الأحداث العدوانية وتقوم بربطها بماضي الذاكرة التاريخية وما يكشف عنه المستقبل من سيناريوهات رهيبة.

إن الجماعات الإرهابية تتبنى نسقا من المقولات التي توقد العنف وترسمه منهجا مقدسا لتصريف مواقفها؛ ومنها نظرية المؤامرة التي تستطيع أن تؤجج الحقد والكراهية ضد الآخر وأن تفعل فعلها السيكولوجي في التحريض على ممارسة العنف والإرهاب. فإن العنف هنا يصدر تحت عنوان الدفاع عن الهوية الدينية المهددة. فالآخر كما ترسخ هذه النظرية يبدو دائما متآمرا يسعى إلى القتل والإبادة أما “نحن” فمستهدفون في شبابنا ونسائنا، إننا أبرياء معرضون للفناء والموت. إن الآخر يريد موتنا وقهرنا وإبادتنا. وقد لعبت هذه الفكرة الأيديولوجية دورا لا يمكن تصور خطورته في تأجيج العنف وتأليب الجماعات على تبني العنف المقدس في مواجهة الخطر الموهوم الداهم. وهذه النظرية “نظرية المؤامرة” تأخذ طابعا رمزيا يولد طاقة عنف رمزية تستهدف الآخر وتعمل على تدميره. 

إن الترويج لنظرية المؤامرة محاولة لتزييف حقائق الواقع وطمس الأسباب الذاتية التي شجعت انتشار الفكر المتطرف وأضرمت النار في هشيم الإرهاب وساهمت في دعمه، كفساد الأنظمة واستبدادها وعنفها، ثم الأوضاع التنموية المزرية التي خلفت جموعاً غفيرة يكويها الفقر والتخلف والأهم غياب خطاب صحي ينأى بالدين عن مستنقع السياسة ويعلي قيمه السامية. والقصد أن هذه الأسباب مهدت الطريق لتبلور جماعات مارست وتمارس الإرهاب باسم الإسلام، وهي ما ينبغي تركيز الضوء عليها والعمل لتغييرها، بغض النظر عن قدرة السلطات والأجهزة الأمنية على اختراق هذه الجماعات وتوظيفها. إن هذه الجماعات الإرهابية تواجه تحديات الحاضر باستدعاء أدوات الماضي، والاعتماد على نظرية المؤامرة وتخوين وتكفير كل من يخالفهم في الرأي متحصنين بمفردات دينية، وإن قوة إقناع الخطاب الإرهابي تتبدّى في قدرته على تقديم رؤية مبسطة واختزالية للحياة والمجتمع، وخاصة في اقتراحه مسار وجودي محدد سلفا، حيث الأفراد يتعرفون على أنفسهم لا من خلال حرية قراراتهم، بل من خلال الحاجة لعضويتهم وانضمامهم إلى هذه التنظيمات[24]. فعندما يعتنق هؤلاء الأفراد الدّين في نسخته القتالية، فإنهم يَلِجون كونا خطابيا، لا يمكنهم الشعور فيه أبدا بالوحدة، بل يجدون أنفسهم دائما محاطين بواسطة «إخوان» و«أخوات» جُدد، دون آباء. إن الدعاية المتطرفة للدّين التي تقوم بها التنظيمات المتطرفة، تتّبع موضة تقنيات التواصل الحديثة وتُكيفها وتخضعها لأهدافها في الإقناع الديني والتحريض على القتال. فالفايس بوك ويوتوب، ثم تويتر، والآن نجد إينستغرام والواتس آب وحتى بعض ألعاب الفيديو، أصبحت منابر عدة للإقناع الدّيني والهوياتي، مع امتلاك هذه التنظيمات لكفاءة عالية قادرة على استقطاب وتكوين العقول الشّابة التي لا مُعادل لها في عالم اتصالات «الكبار» مثل(الصحافة والإذاعة ومواقع الإنترنيت التقليدية). إن مزايا شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الدعاية الجهادية متنوعة، لكن هناك مزيتين أساسيتين سنشير إليهما باقتضاب:

– المزية الأولى، تشير إلى أن التدفق الدائم للاتصال والذي يتطور باستمرار في هذه الأشكال قادر على التأثير بسرعة البرق في الأحداث السياسية والعسكرية الراهنة وحتى على التفاعل وسط الحروب الأكثر شراسة؛

– أما المزية الثانية، فتُظهر أن أولئك الذين يستوعبون مضامين الدعاية الجهادية عبر انغماسهم في شبكات التواصل الاجتماعي يشعرون في الحين أنهم محاطون بجماعة تدغدغ وتعزف في كل ثانية على إيقاع أفكار ومشاعر يتقاسمونها باستمرار. بالإضافة إلى ذلك، هناك ميزة لا يمكن التغاضي عنها، وهي أن المضامين التي تروِّجها شبكات التواصل الاجتماعي تتنصّل تقريبا من كل مراقبة مركزية. [25]

إن السميائي، في تحليله لأنواع الخطابات – أخص الخطابات الإرهابية- لغوية كانت أم بصرية داخل شبكات التواصل الاجتماعي، لا يشتغل فقط بطريقة استنباطية، انطلاقا من التحليل المجرد للمعجم الإرهابي وحقوله الدلالية، ولكن أيضا بطريقة استقرائية، عبر الملاحظة المنهجية للواقع الاجتماعي. وما يمكن للسميائيات أن تقدمه، أيضا، لدراسة هذه الظاهرة لا يكمن في تحليل الأسباب التي كانت وراء دفع المئات من الشباب للانضمام إلى معركة جهادية. إن السميائيات، بالمقابل يجب، أن تقترح قراءة للآليات الإقناعية التي كانت أولا وراء استقطاب وغواية وجذب هؤلاء الشباب إلى كون تأثير التنظيمات الإرهابية، وكيف اقتنعوا أيضا بالتخلي عن كل شيء للمخاطرة بحياتهم باسم الجهاد. لذلك فنحن ندرك أن زعيم التنظيم الإرهابي، لا يمكنه البتّة الوصول إلى عقول هؤلاء الشباب، والزّج بهم في غياهب مصير الفتك والتدمير والإبادة بكل معانيها، والدفع بهم إلى الانخراط في تنظيمات متطرفة واستئصالية إلا إذا كان عارفا ملمّا بكل تفاصيل وحيثيات حيوات هؤلاء الشباب: النفسية والاجتماعية والمهنية والثقافية… التي تكشف عن وضعهم وانتماءاتهم الطبقية. وتعدّ هذه التفاصيل غاية في الدقة والأهمية، تساعد الزعيم الإرهابي وحاشيته على بلورة خطاب بلاغي لفظي أو سمعي بصري، تكون الغاية منه إبراز خصائص الجماعة أو التنظيم بوصفه «مقترحا لأسلوب حياةٍ». إن هذا الخطاب يمتلك قوة إقناعية فائقة، في التعبير عن نفسه دون كلل، مثلما هو الحال عليه في الخطاب الدعائي الإشهاري. فإذا كان الخطاب الإشهاري يمنح هوية و يسعى إلى الحصول على لذة عبر سراب أو وهم الحرية. فإن الخطاب الإرهابي المغلَّف بالدين، يُشيّد الانتماء ويحثّ ويحرّض على السعادة عبر وهم الحاجة.

إن الآلاف من الشباب قرروا الانضمام إلى مقاولة العنف، ويمكننا أن نذكر على الخصوص بأن هناك عنصرين لعبا دورا محوريا للغاية في الاستراتيجية الإرهابية للتغرير بهؤلاء الشباب:

– يتعلق الأمر من جهة، بتعريف المجموعة في ارتباطها بعدو يلزم محوه وإبادته؛

– ومن جهة أخرى، بتعريف الفرد في ارتباطه بفكرة الشهادة والاستشهاد، وهو تعريف وجودي متطرف يتحيّن عبر تحويل الفرد وغسل دماغه والانفصال التام عن الأسرة الأصل والهجرة إلى «أرض الجهاد»، والانضمام إلى «أسرة» متطرفة جديدة، للبحث عن موت بطولي. [26]

ولتفعيل هذا الإقناع، لجأت التنظيمات الإرهابية داخل شبكات التواصل الاجتماعي إلى خلق استراتيجيات خطابية لفظية وبصرية للسيطرة على الأغلبية العظمي من الشباب تبدّت في توظيفها للخطاب الديني في صيغته البسيطة والمختزلة المخلّة بمضامينه الجوهرية، ويتمثّل هذا الخطاب هويته وشرعيته من الفتاوى التي تبيح العنف والقتل، بهدف إخضاع رغبة المجتمع الحداثي في التطور للرجوع إلى الوراء عن طريق الترهيب والتقتيل، واستعمال كل أنواع الانتقام الأشدّ كراهية. وسواء اختارت هذه التنظيمات الإرهابية اليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم، هدفا لعدوانيتها، فإن ما يهمّ عندها ليس هو الهوية العرقية أو الدينية للأعداء الذين تواجههم، ولكن في الحقيقة لأن لديها عدوا ينبغي مهاجمته، عدوّ يجسّد مبدأ الغيرية يقوّض وينسِف مصدر رزق هذه التنظيمات ومصالحها الاقتصادية.

إن ما تقدمه هذه التنظيمات من خطابات لفظية وبصرية داخل شبكات التواصل الاجتماعي، باعتبارها خطابات ترمز للتعالي والمقدّس، ليست، في الغالب، سوى بلاغة تُخفي بُعدَ الاستغلال والهيمنة وبناء السلطة وتسلسلها الهرمي. لذلك فإن حكومات العالم بأسْرِه، وكلّ الذين يتساءلون في الوقت الحاضر عن الطريقة المثلى لإظهار مصدر هذا العنف الفكري والجسدي، سوف لن يصلوا أبدا إلى أيّ حلّ إذا هُم استمروا في الاعتقاد بأن مصدر هذه الإيديولوجيا الإرهابية هو شيء يجب البحث عنه في الدّين أو في لغة ما؛ سواء كانت لغة لفظية أو غير لفظية. وعلى العكس من ذلك، إن الدّين واللغة ليسا سوى موردين أو وعاءين رمزيين، تتم تعبئتهما، وغالبا ما يُساء استعمالهما، لتلبية غريزة أنثربولوجية أعمّ من ذلك بكثير.

ويمكننا في النهاية القول، إن الإرهاب المعاصر يمكن عدّه رقما داخل معادلة معقدة يشكّل الإعلام والدين والسياسة أحد أرقامها، وبعبارة أخرى يشكل الإرهاب المعاصر صورة لوحة إنسانية دامية قلقة ومخيفة تتدفق فيها ألوان المقدس ويتعانق فيها السخري بالسياسي والديني بالرمزي لتشكل صورة مذبحة إنسانية ملطخة بدماء الأبرياء يقدم عليها البشر قرابين استرضاء لصناع المؤامرة وهدْياً على صراطهم الضّال.

إن مقاربة خطاب الظاهرة الإرهابية (لفظيا كان أم بصريا) على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، من منظور سميائي، يحمل في ذاته مزايا متعددة نجمل بعضها فيما يلي:

  •  ففي المقام الأول، تجعلنا السميائيات نتعرّف على النواة الوجودية والعلامات الإيديولوجية والأعراض الأولى للتطرف والإرهاب وتحديده بكيفية دقيقة منفصلة عن الخطاب البصري الساخر أو الخطاب الديني الذي يستعمله خدمة لمصالحه واستراتيجياته.
  • تسمح لنا هذه المقاربة كذلك، بمعرفة الاقتضاء والشرط الأنثربولوجي لظاهرة الإرهاب والتطرف الديني، كما يُبثّ داخل شبكات التواصل الاجتماعي والتي تُعدّ بدورها وسيطا لفهم قوة المتطرفين الإقناعية: فإذا كانت التنظيمات الإرهابية قادرة على استقطاب الناس وتحويلهم إلى مرتدّين بشكل متزايد، فلأنها تمنح للأفراد والشباب أسلوب حياةٍ، لم تستطع المجتمعات الغربية والعربية على حدّ سواء القدرة على اقتراح ما يلبّي حلم هؤلاء الشباب وحاجياتهم الأنثربولوجية العميقة.
  • إن عدم فهم الأهمية الوجودية لهذا الحلم معناه إقبار كل مبادرة تهدف إلى الحدّ أو تقويض الدعاية الإرهابية العنيفة.
  • –       إن المعركة التي ينبغي توظيفها ضد هذا الصنف الإيديولوجي ليست، في الواقع، عسكرية، بل، هي قبل كل شيء، سميائية. لذا ينبغي أن نفهم الأسباب الوجودية للإرهاب بإظهار جذوره في مدارات الحداثة، وربما عبر الإشارة إلى طريق جديد لأولئك الذين ينخرطون، اليوم، في مسار الظلامية والعنف. 
  • –       يجب أن نظهر في نهاية المطاف، بأنه يمكننا العودة إلى الأصول الروحانية دون العثور، بالضرورة، على ما يدمّر الإنسان، بل العكس، نكشف عن كلام التحرر الذي وعدت به كل الأديان.

هوامش الدراسة


[1] – ALEKSEI SEMENENKO The Texture of Culture P.99.                                           

[2] – ALEKSEI SEMENENKO The Texture of Culture . Op. Cit. P.99.                        

1 –Umberto, Eco. La structure absente, ed Mercure de France , Paris 1972, PP. 239-240.       

[4]– روجي فولر: وسائل الإعلام وإعادة إنتاج السلطة ، ترجمة محمد خطابي مجلة علامات العدد 24 شتاء 2011 ص.75-88.

[5] – Eliséo, Veron, Construire l’événement: Les Médias et l’accident de Three Mile Island Paris: Minuit, 1981.

[6]–   Bernard Lamizet, Sémiotique de l’événement: Une sémiotique de  l’espace et du temps Paris Lavoisier, Hermès Science Publication, 2006, p. 95.

[7] – Paul, Watzlawick, La Réalité de la réalité: Confusion, désinformation, communication, Points Essais (Paris: Seuil, 1978), dans: Journalisme et Tiers – monde: Guide Pratique, textes réunis par Albert L. Hester et Wai Lan J. To (Bruxelles: Nouveaux Horizons, 1989), p. 9.

[8]Umberto, Eco. Sémiotique et philosophie du langage,  Op. Cit..p.12.       

[9]-John, Baudrillard.  Le Système des Objets, éd .Gallimard, Paris,1968 P.14. 

[10]– H.D. Lasswell. The Structure and Function of communication in society; in Schramm chicago: university of Illinois press,1977, P: 84.

[11]–  Conesa, P, « La violence au nom de Dieu », La Revue internationale et stratégique, no 57, Printemps, 2005 p. 73-81.

[12] – MARTINE, JOLY, INTRODUCTION A L’ANALYSE DE L’IMAGE, NATHAN UNIVERSITIE, France 1994, P. 72.

[13] – HACHETTE le dictionnaire Français, langue française avec phonétique et ethnologie, .édition Algérienne 1992

[14]–Eliseo Veron, Sémiosis de l’idéologie et du pouvoir”; in Communications 28 ;1978; P: 8.

[15]– علي أسعد وطفة: الأسس الرمزية والأسطورية للعنف الديني المعاصر: مجلة نقد وتنوير، مركز نقد وتنوير للدراسات الإنسانية والسياسية، أغسطس/ آب 2015 ، ص:14.

[16]– Pierre Guiraud, La sémiologie, Paris, PUF, 1983.                                         

[17]– واضع هذا المميز هو مصمم الأزياء جواكيم رونسان  Joachim  Roncin يمتهن التواصل والمدير الفني لمجلة  féminin Stylist المنتمية لمجموعة ماري كلير Marie-Claire  وقد اختاره بشكل متسق ليناسب أولون أزيائه.  

[18]– diffusion du tweet “Je suis Charlie” (7/01/15 vers 23h30) – Source :  www.cartodb.com.    

[19] – إشارة إلى إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة بطريقة بشعة قام تنظيم الدولة في العراق والشام.

§– الهرمسية (Hermetisme) نسبة إلى هرمس Hermes وهو إله إغريقي متعدد الوظائف والمجالات والاختصاصات ويرمز إلى المعرفة الكلية والتأويل الشامل، ورسول الحكمة إلى الناس، إنه أيضا رمز “الكلمة التي تنفذ إلى أعمق أعماق الوعي”. وبالإضافة إلى ذلك فهو إله الفصاحة ورمز للتعدد التأويلي والمعرفة الآتية من كل أصقاع الكون. أمبرتو إيكو: التأويل بين السميائيات والتفكيكية، ترجمة سعيد بنگراد (هامش توضيحي من إضافة المترجم) ذكره: Chevalier _Gheebrant: Dictionnaire des symboles

[20] – أمبرتو إيكو: التأويل بين السميائيات والتفكيكية، ترجمة سعيد بنگراد المركز الثقافي العربي ، ص:118.

[21] – – أمبرتو إيكو: التأويل بين السميائيات والتفكيكية، مرجع مذكور ، ص:12.

[22]  ينظر بهذا الصّدد دراسات يوري لوتمان :

ميكانيزمات الخوف: (نحو نمذجة للثقافة الروسية) Mechanisms of Fear: (Toward typology of Russian Culture) (1992)

 ومطاردة الساحرات (1998) Witch-hunt. Semiotics of Fear

 سميائيات الخوف في الثقافة الروسية On Semiotics of Fear in Russian Culture (2005) سميائيات الخوف ونمذجة الثقافة الروسية (2009) Semiotics of Fear and typology of Russian Culture

[23]–  Massimo Leone, Semiotic Approaches to Conspiracy Theories https://www.academia.edu/31603062/Leone_Madisson_and_Ventsel_2017_-_Semiotic_Approaches_to_Conspiracy_Theories

[24] – MASSIMO LEONE SEMIOTIQUE DU FONDAMENTALISME RELIGIEUX MESSAGES, RHETORIQUE, FORCE PERSUASIVE L’Harmattan ITALIA. P.67.

[25] – MASSIMO LEONE SEMIOTIQUE DU FONDAMENTALISME RELIGIEUX, Op. Cit. P.56/57.

[26] – MASSIMO LEONE SEMIOTIQUE DU FONDAMENTALISME RELIGIEUX, Op. Cit. P.67.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.